مَنْ أقوى النساء في العالم؟
"مهندسة عراقية ذات مزاج بركاني فازت على أبرز المعماريين العالميين". كان ذلك عنوان أول تقرير في الصحافة العربية عن "زهاء حديد". نُشر التقرير الذي كتبته أنا في 25 سبتمبر عام 1994 على الصفحة الأولى لصحيفة "الحياة" اللندنية، وتابعتُ في تقارير لاحقة رفض مجلس بلدية مدينة "كارديف" البريطانية تنفيذ التصميم الفائز ببناء دار الأوبرا. وبعد ذلك بسنتين تابعتُ رفض مشروع "الجسر السكني" في مدينة لندن، والذي فازت به المعمارية العراقية على 296 مهندساً. ولقي المشروعان مصير مشاريع عدة فازت بها على أبرز المعماريين العالميين، لكنها لم تُنفذ، وأولها تصميم بناية "الذروة" في قمة الجبال المحيطة بمدينة هونج كونج بالصين عام 1982. ومع مطلع القرن الحالي فازت زهاء حديد بتصميم وتنفيذ سلسلة مشاريع هندسية كبيرة؛ منها "متحف الفن الحديث" في سنسناتي في الولايات المتحدة الأميركية، و"متحف الفن الحديث" في روما. وسجّل فوزها عام 2001 ببناء جسر أبوظبي في الإمارات العربية المتحدة سابقة تاريخية، ليس فقط باعتباره أول جسر تبنيه امرأة، بل أول جسر يصممه ويبنيه مهندس معماري.
وفي القرن الماضي كان يبدو من المستحيل أن تسلّم مهنة العمارة "الذكورية" لامرأة، خصوصاً عربية ومسلمة. وها هي اليوم المرأة الوحيدة التي ارتقت السلالم العليا في الهندسة المعمارية. وبعد أن تجاوز المائة وخمسين عدد أعمالها المعمارية المنفذة في مختلف بلدان العالم، اختيرت أخيراً ضمن قائمة "أقوى 100 امرأة في العالم" التي تضعها سنوياً مجلة الأعمال الأميركية "فوربس". احتلت "زهاء حديد" المرتبة الـ68 في القائمة، وجاء ترتيبها الأولى بين نساء العرب اللواتي ضمتهم القائمة، وبينهن مها الغنيم، مديرة شركة "الغنيم للاستثمارات" الكويتية (72)، وحرم أمير دولة قطر الشيخة موزة بنت ناصر (79)، وحرم عاهل الأردن الملكة رانيا (82)، والشيخة لبنى القاسمي وزيرة الاقتصاد في دولة الإمارات (99).
وتكشف مراجعة الأسماء المختارة، أن "القوة" في مفهوم "فوربس" مرادفة للسلطة، وبالتحديد سلطة المال والسياسة. فنساء الأعمال نِلن 48 مقعداً، ونساء السياسة 29 مقعداً. ومع أن القائمة تعكس صعود نساء قارة آسيا، حيث بلغ عددهن أربعة بين الستة الأوائل، إلاّ أن العولمة، وهي في حقيقتها "الأمركة"، تغلب على معايير الاختيار. فعدد الأميركيات في القائمة 53 امرأة. ولعل هذا سبب استبعاد نساء العلم والثقافة، كعالمة الطب اللبنانية هدى زغبي، مكتشفة جينات مسؤولة عن أمراض الانحلال العصبي التي تصيب المتقدمين في السن بفقدان التوازن (الرَنَح) وخرف الشيخوخة (الزهايمر) والرعاش (باركنسن)، واستبعاد عالمة الطب والكاتبة الإماراتية رفيعة غباش، رئيسة "جامعة الخليج العربي" و"شبكة المرأة العربية للعلوم والتكنولوجيا"، واستبعاد أشهر روائية في العالم التشيلية إيزابيل إليندي التي تُرجمت رواياتها إلى جميع اللغات.
ولست أفهم لماذا حافظت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على المرتبة الأولى للسنة الثانية على التوالي، مع أن شعبيتها داخل بلادها تدهورت من 80 في المائة مطلع هذا العام إلى 56 في المائة حالياً؟ ولماذا تحتل وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس المرتبة الرابعة، وقد سجلت فترة توليها أعلى المسؤوليات الدبلوماسية أسوأ تدهور في مركز وسمعة واشنطن الدولية؟ ومن هي في ميزان القوة نظيرتها الإسرائيلية تسيبي ليفني (39)، أو لورا بوش حرم الرئيس الأميركي جورج بوش (60)؟ وما قيمة القوة السياسية التي تزول مع دورة "لعبة كراسي الحكم"، كما حدث مع وزيرة الخارجية البريطانية السابقة مارجريت بيكيت؟ اختفت بيكيت من القائمة حال إعفائها من منصبها في التغيير الوزاري الأخير، وكانت تحتل المرتبة الـ29 في العام الماضي. ولقيت المصير نفسه شيري بلير التي أسقطت من القائمة مع سقوط زوجها رئيس الوزراء السابق توني بلير، وكانت تحتل المرتبة الـ62.
وكم يليق بمن لم تدرج أسماؤهن ضمن قائمة "أقوى النساء" قول كاتب بريطاني ساخر: "قُطّاع الطرق يخيرونك بين محفظة نقودك، أو حياتك، والنساء يُردن الاثنتين"! فمديرة شركة "برازيل تيليكوم" كارلا تشيكو حُذفت من القائمة، بعد محاكمتها في العام الماضي، بتهمة الاحتيال والتجسس على منافسيها التجاريين. كما حُذفت ليندا واتشنر، رئيسة شركة "وارناكو" التي تحقق في ظروف إفلاسها "هيئة الأمن والتبادل" الأميركية. وحُكم بالسجن على مارثا ستيوارت رئيسة شركة "ليفينغ أومنيميديا" بجريمة المتاجرة الداخلية بالأسهم. ولم تخرج نجوم القوة النسائية المتساقطة صفر اليدين، بل حصل معظمهن على تعويضات بملايين الدولارات، وعقود لكتابة مذكراتهن، أو المشاركة في برامج التلفزيون!
ومع نساء كهؤلاء من يلوم الكاتبة ليلى أنور على شتائمها المقذعة للأميركيات في يومياتها المنشورة بالإنجليزية في الإنترنت؟ يحمل موقعها اسم arabwomanbluse، ويعني "مواويل امرأة عربية". وكالرسائل التي يطرحها الغرقى في البحر، تحمل يومياتها عنوان "تأملات في قنينة مغلقة". وترفض الكاتبة تحديد هويتها مكتفية بالقول إنها "عربية من الشرق الأوسط، لا موطن لها، تعيش في العراق ولبنان وفلسطين والأردن وسوريا ومصر في آن... وكل ما عدا ذلك تزويق سُكّري على سطح الكعكة"!
وتفوق ليلى أنور في "القذاعة" خامس امرأة في ميزان القوة النسائية العالمية إندرا نوويي رئيسة شركة "الببسي". ففي محاضرة في جامعة كولومبيا بنيويورك، عمدت نوويي، وهي من ولاية مدراس في الهند، إلى رفع إصبع يدها الأوسط في إشارة "بذيئة" لما تفعله الإدارة الأميركية في العالم. وفي يومياتها المنشورة تحت عنوان "مجرد فكرة"، تخاطب ليلى أنور سيدة أميركية قالت لها إن تلك اليوميات تعجبها، لكنها تجعلها "تنزعج، وتكتئب". وتعتذر بشتائم "شنيعة" للأميركية التي طلبت منها الكتابة عن أمور "إيجابية"، وتنصحها بما ينبغي عليها شخصياً فعله، بدءاً من "دفع تعويضات كاملة" للعراقيين، و"أن تشرعي برعاية ثلاث أسر عراقية ممن شردتهم حكومتكم بموافقة شعبكم الغافي، البدين، والجاهل، والغبي".
وتدعو ليلى أنور السيدة الأميركية: "أن تأتي بنفسك إلى بغداد وتساعدي بدفن أعزائنا الذين نعثر على جثثهم يومياً في الشوارع. وليس ذلك فقط... عليك أن تقعدي بعجيزتك البدينة على الكرسي، وتشرعي في الحسابات اللوجستية: كم من السنين، والناس، وما المطلوب من الأموال، والمواد، والوقت لإعادة بناء ما دمرتموه؟.. هذا ليس كل شيء. عليك الوقوف أمام الجمهور في وسط ساحة الفردوس، حيث كان ينتصب تمثال صدام حسين، وأن تعتذري رسمياً لكل العراق عن قتل رئيسهم، وعن كل ما أنزلتموه من دمار، وأن تسألي (لا تستجدي) المغفرة من كل عراقي تلقينه. هذا إذا كنت جديرة بأن تمثلي الولايات المتحدة". وتستدرك قائلة: "لكن لا أحد جدير بأن يمثل الولايات المتحدة لأنكم، أولاً شعب غير جدير بأن يصبح جزءاً من المشهد الدولي". وأعتذرُ عن إيراد ما بعد "أولاً" من شتائم تُجسد معنى قول الحكيم الصيني القديم: "الطريق إلى جهنم مرصوف بألسنة النساء"! وإذا صحّ اعتقادي بأن نصف مليار امرأة عربية ومسلمة تنبض قلوبهن بنبض نساء العراق، فالويل لعالَم جاهل وبليد وغاف.